يعد مجلس الادارة أحد أهم اركان الشركة؛ حيث يتولى ادارتها وتسير اعمالها بالتعاون مع الجهاز الاداري للشركة لتحقيق الغايات التى اسست من اجلها الشركة، وهو الهيئة الرئيسية التي تتولي زمام ادارة الشركة ورسم خطوطها العريضة. ولعل من البديهي القول بأن تشكيل مجالس إدارة الشركات عادة ما يقوم على مبدأ ارتباط الحق في الادارة بملكية راس المال، وبالتالي فان عضو مجلس الادارة سواء كان شخصاً طبيعياً أو شخصاً اعتبارياً يجب ان يكون مالكا لاسهم تأهيل العضوية المنصوص عليها بعقد تأسيس الشركة ونظامها الاساسي. ولعل الحكمة من ذلك ان المساهم صاحب مصلحة في الشركة، لذا فهو احرص من غيره على رعاية مصلحتها، وعدم التفريط بحقوقها؛ إذ من المتصور أن يبذل في سبيل ذلك قصارى جهده في ادارة شؤونها ((شرح القانون التجاري الاردني –الجزء الرابع – د.عزيز العكيلي ص289)) وان تصرفات مجلس الادارة في حدود صلاحياته لا تلزم اعضاء مجلس الادارة، وانما تلزم الشركة التي يمثلونها. على ان الشركة بالمقابل لا تلزم بتصرفات المجلس إذا تجاوز صلاحياته وتسبب بضرر للشركة ((موسوعة الشركات التجارية د.الياس ناصيف ص11 الجزء العاشر، الوجيز في القانون التجاري د.مصطفي كمال طه ص306)).
ووفق مبادىْ الادارة الرشيدة “الحوكمة” وبعض الدارسين الاسلاميين فقد حدد صفات عضو مجلس الادارة من قوله تعالي في الآية (26) من سورة القصص “ان خير من استأجرت القوي الأمين”. لينتهوا الى ان اهم ميزتين يجب ان تتوافر في عضو مجلس الإدارة هما القوة والأمانة. وترتبط هذه الصفات بصفات اخلاقية اخرى وهي الحكمة والمعرفة والتواضع…الخ.
ويتوجب على مجلس الادارة ان يبرهن هذه الصفات من خلال ممارستهم لصلاحياتهم القانونية والادارية والتي تتمثل في القيام بكل عمل او فعل قانوني يدخل في اعمال الادارة ضمن غايات الشركة وحدودود الصلاحيات المخوله لهم ((قانون الشركات التجارية القاضي احمد الورفلي ص186)). وبالتالي فان المجلس له مطلق الصلاحيات لادارة الشركة وتحقيق الاهداف التى أنشئت من اجلها الشركة ضمن إطار التشريعات الناظمة لعمل الشركة وبحدود صلاحياته وقرارات الهيئة العامة، كون الهيئة العامة هي السلطة العليا للشركة وهي من تنتخب المجلس كما لها الحق بعزله في اي وقت تراه بما يتوافق واحكام المادة (165) من قانون الشركات الاردني و/او رفع قضايا عليه إن تسبب بضرر للشركة او/او المساهمين و/او الاطراف ذوي العلاقة نتيجة إهماله وتقصيره، وفي هذه الحالة يكون اعضاء المجلس متضامنين عن كافة التصرفات الصادرة عنه ((الشركات التجارية د.فوزي محمد سلامة ص 467,468)). ومنعا للتكرار فأحيل بشأن مسؤولية أعضاء مجالس الإدارة وواجباتهم الى مقال سابق (المسؤولية المدنية والجزائية لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة).
وبالرجوع الى احكام قانون الشركات الاردني رقم 22 لسنة 1997 وتعديلات، نجد أن المادة (143/أ/4) منه قد نصت على ما يلي: “يضع مجلس ادارة الشركة المساهمة العامة في مركزها الرئيسي … كشفا مفصلا لاطلاع المساهمين يتضمن … التبرعات التي دفعتها الشركة خلال السنة المالية مفصلا والجهات التى دفعت لها”.
في حين تنص المادة (591/2) من القانون المدني الأردني على ما يلي: “وكل شريك يعتبر أمينا على مال الشركة الذي في يده”. كما نصت المادة 597 من ذات القانون على: “1- يلزم الشريك الذي له حق تدبير مصالح الشركة أن يبذل في سبيل ذلك من العناية ما يبذله في تدبير مصالحه الخاصة الا إذا كان منتدبا للعمل بأجر فلا يوز له ان يتنازل عن عناية الرجل المعتاد. 2- ويلزمه ايضا أن يمتنع عن أي تصرف يلحق الضرر بالشركة أو يخالف الغرض الذي أنشأت من أجله”.
وفي المقابل، فإن بعض تشريعات الدول العربية كقانون الشركات التجارية المصري رقم 159 لسنة 1981 كان قد نص في المادة (101) على ما يلي: “لا يجوز للشركة المساهمة العامة ان تقدم اي تبرع من اي نوع كان الى حزب سياسي والا كان التبرع باطلا. ولا يجوز ان تتبرع الشركة في سنة مالية بما يجاوز 7% من متوسط ارباحها خلال السنوات الخمس السابقة على هذه السنة. الا إذا كان التبرع للأغراض الاجتماعية الخاصة بالعاملين أو لجهة حكومية أو إحدى الهيئات العامة. ويشترط لصحة التبرع في اي حال صدور قرار مجلس الادارة بناء على ترخيص من الجمعية العامة متى تجاوزت قيمة ألف جنية”. علماً بأن هذا النص كان موجوداً في التشريع المصري منذ العام 1945.
وضمن ذات الإطار فإن نص المادة (30) من نظام الشركات السعودي يذهب الى: “لا يجوز للمدير ان يباشر الاعمال التى تجاوز الادارة العادية الا بموافقة الشركاء، أو بنص صريح في العقد. ويسري هذا الحظر بصفة خاصة على الاعمال التالية… ومن ضمنها التبرعات – ماعدا التبرعات الصغيرة المعتادة…”.
كما تنص المادة (198) من قانون الشركات التجارية رقم 8/1984 في دولة الامارات العربية المتحدة على ما يلي: “لا يجوز للشركة أن تقدم تبرعاً أيا كان نوعه إلا بعد انقضاء سنتين من تاريخ تأسيسها ما لم يكن التبرع من قبيل الهبات الصغيرة المعتادة وبشرط تحقيق أرباح. وبالنسبة إلى غير ذلك من هبات فيشترط لصحة التبرع أن يصدر به قرار من مجلس الإدارة بناء على ترخيص من الجمعية العمومية وبشرط ألا يزيد على (2%) من متوسط صافي أرباح الشركة خلال السنتين الماليتين السابقتين على سنه التبرع”.
وبالخوض قليلاً في الآراء الفقهية الباحثة في المسألة المتقدمة، فنجد أن جانباً من الفقه يذهب الى أن مسؤولية عضو مجلس الادارة هي مسؤولية عقدية مرتبطة بالشركة بعقد الوكالة، وفي حين ينادي الجانب الآخر بأن مسؤولية عضو مجلس الإدارة قائمة على مصدر القانون كمصدر للالتزام؛ إذ يعتبر هذا الجانب علاقة عضو مجلس الإدارة بالشركة علاقة قانونية مرتبطة برابط قانوني أساسه نص القانون لا بوصفه وكيلاً عن الشركة.
وإن التفرقة المتقدمة تقودنا بعد ذلك الى أن تحديد مسؤولية عضو مجلس الادارة يمكن -تبعاً للآراء الفقهية المتقدمة- أن تتوزع بين المسؤولية العقدية التى ينضمها عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي ونصوص القانون المدني أو المسؤولية التقصيرية بوصف مصدر التزام عضو مجلس الإدارة اتجاه الشركة هو نص القانون. ولعل تطرقنا الى هذا الخلاف الفقهي انما مؤداه ان كلا النظريتين -وإنا كنا نميل من جهتنا الى أن مسؤولية عضو مجلس الإدارة هي مسؤولية عقدية أساسها عقد غير مسمى يجمع ما بين أركان عقد الوكالة وعقد المقاولة- انما يضعان حدوداً عامة لنطاق تصرفات عضو مجلس الإدارة؛ حيث أن هذا المجلس ولما كان الهدف من وجوده هو إدارة الشركة لتحقيق أهدافها وغاياتها، فإنه مقيد بذلك بأن لا يتجاوز حدود صلاحياته، إد أن المفروض ان المساهمين عندما انتخبوا من يدير الشركة، انهم اعطوه السلطة الكافيه لتحيق غايات الشركة من اعمال الادارة واعمال التصرف، دون تفويضه بغير ذلك من اعمال ليست لازمة لتحقيق اغراض الشركة كهبة مالها للغير مثلاً ((الوسيط في شرح القانون المدني – عبدالرزاق السنهوري -الجزء الخامس ص307,308,309)).
ومن خلال ما تقدم وبالرجوع وبالأخذ بعين الاعتبار بأن الشركة تمثل كياناً قانونياً قائماً على مبدأ الربح والخسارة مالم تكن شركة غير ربحية أو جمعية خيرية. وبالرجوع لأحكام المواد (156,157,158,159) من قانون الشركات الاردني التى حملت اعضاء مجلس الادارة المسؤولية عن كل مخالفة للقوانين والانظمة المعمول بها ولنظام الشركة وعن اي خطا في ادارة الشركة أو تقصير أو اهمال بالتكافل والتضامن تجاه المساهمين والشركة والاطراف ذوي العلاقة. فإننا نذهب الى أن عضو ملس الادارة هو بمثابة وكيل عن المساهمين وعليه حفظ وادارة مال الشركة بعناية الرجل المعتاد، وهو بهذه الصفة لا يملك حق التبرع الا باجازة من صاحب المال، وصاحب المال في حالتنا هي الهيئة العامة للشركة. وهذا ما أكدت عليه محكمة التمييز الأردنية بقرارها رقم 881 لسنة 1997 والذي ذهبت به الى ما يلي: “ان المفوض بإدارة الشركة والتوقيع عنها لايملك التبرع باموال الشركة الا إذا كان مفوضا بالتبرع عنها وبأموالها، وبناء على ذلك فانه لم يثبت ان المفوض بالتوقيع عن الشركة مفوض بالتبرع بأموالها أو بضمان ديون الغير فتكون كفالة المفوض بالتوقيع عن الشركة غير ملزمة للشركة لان الكفالة من عقود التبرع”.
كما نصت المادة (836/2) من القانون المدني الأردني على ما يلي: “… وإذا كانت وكالة عامة أجيز للوكيل مباشرة المعاوضات والتصرفات عدا التبرع فلا بد من التصريح بها”. كما اتفق الفقهاء على ان من شروط المتبرع ان يكون مالكا للمال المتبرع به. فإن تبرع الغير من ملك أحدهم عد ذاك التصرف موقوفاً على اجازة صاحب الحق؛ حيث نصت المادة (171) من القانون المدني على: “يكون التصرف موقوف النفاذ على الاجازة أذا صدر من فضولي في مال غيره أو من مالك في حال تعلق به حق الغير…”.
ونخلص هنا الى ان مجلس الإدارة هم أعضاء كانت قد انتخبتهم الهيئة العامة للشركة لإدارة مال الشركة والمحافظة علية وتحقيق الغايات والاغراض التي أسست من اجلها الشركة، لا للتبرع من أموالها وأموال المساهمين فيها، وذلك دون إغفال مبدأ المسؤولية المجتمعية للشركات (Corporate Social Responsibility) اتجاه المجتمع المحلي والعاملين في الشركة بالحدود المعقولة -التي نميل الى أن تكون من أرباح الشركة لا من أموالها العاملة-، وعلى أن يتم في جميع الأحوال اظهار جميع تلك المساهمات المجتمعية ضمن البيانات المالية للشركة لعرضها على الهيئة العامة لاتخاذ القرار المناسب بها. إذ نرى بأن المادة (143/أ/4) من قانون الشركات الأردني قد أتت من منطلق حرص المشرع على أموال الشركة عبر الزم مجلس الادارة بإظهار كشف بالتبرع مفصل لغايات اطلاع المساهمين على ذلك واخذ القرار المناسب حيال ذلك، لا على سبيل إجازة التبرع للمجلس.
وختاماً نقول أنه وفي حاله تعرض الوطن كما هو الان لظروف استثنائية كجائحة كورونا، فإن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تقوم بكل أركانها لمواجهة هذا الخطر؛ إلا أن مأسسة هذا الواجب واكساؤه بروح القانون لا تنتقص منه ومن لزوم أدائه؛ وإن اقدام أي من مجالس الإدارة على تقديم التبرعات -حتى في مثل هذه الظروف- لهو مخالفة قانونية وتصرف يخرج عن نطاق صلاحيات مجلس الإدارة. والأولى هو صدور مثل هذا القرار عن الهيئة العامة للشركة ضمن اجتماع غير عادي.
وأما في الظروف التي يتعذر بها دعوة الهيئة العامة للانعقاد، فإن رسالتنا لجميع السادة اعضاء مجلس الادارة تتمثل بلزوم ادراج بند التبرعات ضمن بند مستقل على جدول الاعمال في اول دعوة لاجتماع الهيئة العامة لنيل الموافقة على مثل هذا التصرف عملاً بأحكام المادة (175/1) من القانون المدني الاردني والتي تنص “إذا اجيز التصرف الموقوف نفذ مستندا الى وقت صدورة واعتبرت الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة”.